ترجمة موجزة لابن أبي حاتم[1]
هو الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر بن داود الحنظلي الرازي، المشهور بابن أبي حاتم[2].
ولد سنة أربعين ومائتين.
وسمع من أبيه وأبي زرعة، وابن وارة، والحسن بن عرفة، وعبد الله بن أحمد، وصالح بن أحمد، ويونس بن حبيب، ويونس بن عبد الأعلى، وغيرهم كثير.
وروى عنه ابن عدي، وأبو أحمد الحاكم، وأبو الشيخ الأصبهاني، والقاضي يوسف الميانجي، وعلي بن محمد القصار، وغيرهم.
واشتغل أول طلبه للعلم بتعلم القرآن وحفظه، ثم بدأ بتعلم الحديث.
قال ابن أبي حاتم: لم يدعني أبي اشتغل في الحديث حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان الرازي، ثم كتبت الحديث.
وقال ابن أبي حاتم: رحل بي أبي سنة خمس وخمسين ومائتين وما احتلمت بعد، فلما بلغنا ذا الحليفة احتلمت، فسر أبي؛ حيث أدركت حجة الإسلام.
قال علي بن إبراهيم: وفي هذه السنة سمع من ابن المقريء حديثه عن سفيان,و من مشايخ مكة الواردين عليها. وسمع في انصرافه من الحج سنة ست وخمسين من أبي سعيد الأشج، ومشايخ الكوفيين مع أبيه... الخ.
وقال أبوبكر محمد بن عبد الله البغدادي: كان من منة الله على عبد الرحمن أنه ولد بين قماطر العلم والروايات، وتربى بالمذاكرات مع أبيه وأبي زرعة، فكانا يزقّانه كما يُزق الفرخ الصغير[3] ويعنيان به، فاجتمع له مع جوهر نفسه كثرة عنايتهما، ثم تمت النعمة برحلته مع أبيه، فأدرك الإسناد وثقات الشيوخ بالحجاز والعراق والشام والثغور، وسمع بانتخابه حين عرف الصحيح من السقيم، فترعرع في ذلك، ثم كانت رحلته الثانية بنفسه بعد تمكن معرفته، فعرف[4] له ذلك، وتقدم بحسن فهمه وديانته، وقديم سلفه[5].
وقال أبو يعلى الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال والحديث الصحيح من السقيم، وله من التصانيف ما هو أشهر من أن يوصف؛ في الفقه، والتواريخ، واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار... الخ.
وقال علي بن أحمد الخوارزمي: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل النسخ والمقابلة فأتينا يوماً أنا ورفيق لي شيخ، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا، فاشتريناه، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس، فلم يمكننا إصلاحه ومضينا إلى المجلس، فلم نـزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئاً؛ لم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه. ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد.
وقال أحمد بن علي الرقام: سمعت الحسن بن الحسين الدرستيني: سمعت أبا حاتم يقول: قال لي أبو زرعة: ما رأيت أحرص على طلب الحديث منك يا أبا حاتم. فقلت له: إن عبد الرحمن ابني لحريص، فقال: من أشبه أباه فما ظلم.
قال الرقام: فسألت عبد الرحمن عن اتفاق كثرة السماع له وسؤالاته من أبيه! فقال: ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه[6].
وقال علي بن إبراهيم: وبلغني أنه كان يسأل أباه أبا حاتم في مرضه الذي توفي فيه عن أشياء من علم الحديث وغيره إلى وقت ذهب لسانه، فكان يشير بطرفه؛ نعم ولا[7].
وقال أبو الحسن الفَرظَي: ما رأيت أحداً ممن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط، وكنت ملازماً له مدة طويلة فما رأيته إلا على وتيرة واحدة، لم أر منه ما أنكرته من أمر الدنيا ولا من أمر الآخرة، بل رأيته صائناً لنفسه ودينه ومرؤته.
وقال أبو حاتم: ومن يقوى على عبادة عبد الرحمن، لا أعرف لعبد الرحمن ذنباً.
وقال أبو الفضل الترمذي: كنت مع أبي حاتم إذ خرج من السكة، وعبد الرحمن في الصلاة يصلي بالناس على رأس مسكنه، فوقف فقال: خفف يا عبد الرحمن، ثم قال: لا يتهيأ لي أن أعمل ما يعمل عبد الرحمن.
وقال علي بن عبد الرحمن: كان مقبلاً على العبادة من صغره، والسهر بالليل، والذكر ولزوم الطهارة، فكساه الله بها نور، فكان يسر به من نظر إليه.
مؤلفاته:
لقد ترك ابن أبي حاتم عدة مؤلفات تدل على سعة علمه وتبحره في هذا الشأن، ولما كان الغرض هنا الاختصار في ترجمته فسأكتفي بذكرها فقط؛ تاركاً ذكر من ذكرها، أو أشار إليها، وذلك خشية الإطالة، إلا ما دعت إليه الحاجة. فمن هذه المؤلفات:
1- الجرح والتعديل، مطبوع.
2- تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل، مطبوع مع الجرح والتعديل.
3- علل الحديث، وهو كتابنا هذا، وهو مطبوع,
4- المراسيل، مطبوع.
5 - بيان خطأ محمد بن إسماعيل في تاريخه، مطبوع.
6- تفسير القرآن العظيم,و قد طبع مؤخراً.
7- آداب الشافعي، وهو مطبوع.
8 - الرد على الجهمية.
9- المسند، في ألف جزء.
10- أصل السنة واعتقاد الدين، مطبوع.
11 - فضائل الإمام أحمد، أو مناقب الإمام أحمد.
12 - كتاب الكنى.
13 - الزهد.
14 - زهد الثمانية التابعين[8].
15- الفوائد الكبير.
16- فوائد الرازيين.
17- فوائد أهل الري.
18- فضائل أهل البيت.
19- كتاب مكة، أو فضائل مكة.
20- فضائل قزوين.
21- حديثه: يوجد مخطوطاً في الظاهرية مجموع 41/8 (تاريخ التراث 1/1/354).
22- الدعاء:
ذكره ابن بشكوال في كتاب المستغيثين بالله (ص 20) ، ونقل منه حديثين.
ويوجد له نسخة في مكتبة جوته بألمانيا رقم 635، ويقع في 43 لوحة[9].
إلا أنه وقع في فهرس المكتبة، وكذا في كشف الظنون 2/1417، أن الكتاب من تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي.
وفي ذلك نظر، فالمؤلف ليس له أبناء، واتفقت مصادر ترجمته أنه لم يعقب.
ولعله خطأ من الناسخ أو المفهرس، والله أعلم.
وفاته:
توفي الإمام ابن أبي حاتم في شهر محرم من سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وله بضع وثمانون سنة رحمه الله رحمة واسعة.[1] وستكون ترجمته موجزة جد، وذلك لكثرة من ترجم له وبعضهم قد أفرد في ترجمته كتاباً مستقل، مثل د. رفعت فوزي في كتابه: ابن أبي حاتم وأثره في علوم الحديث، وغيره، كما ترجم له زميلاي من قبل، فلم أر فائدة من تكرار ذلك، وكذا سيكون الحال في ترجمة أبي حاتم وأبي زرعة، ولذا فسأكتفي في تراجمهم بنقل أهم الأقوال الواردة في مصادر تراجمهم تاركاً الإحالة في كل قول، مراعاة للاختصار، واكتفاءً بمن ترجم لهم قبلي.
[2] أهم مصادر ترجمته المطبوعة:
الإرشاد للخليلي 2/683، طبقات الحنابلة 2/55، تاريخ دمشق 35/357، التقييد 2/78، سير أعلام النبلاء 13/263. تاريخ الإسلام 24/206، تذكرة الحفاظ 3/829، طبقات علماء الحديث 3/17، تاريخ قزوين 3/153، مرآة الجنان 2/289، البداية والنهاية 11/191، طبقات الشافعية للسبكي 3/324، العقد المذهب (84)، وغيرها كثير جداً. وانظر كتاب ابن أبي حاتم وأثره في الجرح والتعديل.
[8] كذا ذكر هذا الكتاب أنه من تأليف ابن أبي حاتم كل من ابن حجر في المجمع المؤسس 2/73، وفي المعجم المفهرس (ق 79/ب)، والروداني في صلة الخلف (259) وسزكين في تاريخ التراث 1/1/354، ود. رفعت فوزي ص 160. وفي نسبة هذا الكتاب إليه نظر، فالكتاب إنما هو من رواية ابن أبي حاتم وليس من تأليفه، وله رواية أخرى إلى مؤلفه: علقمة بن مرثد، من غير طريق ابن أبي حاتم، كما في مقدمة الكتاب المطبوعة، والله أعلم.
[9] انظر فهرس مكتبة جوته 1/489.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق