الخميس، أغسطس 18

هنيئا للمزكين والباذلين

 هنيئا للمزكين والباذلين


إنها فئةٌ موفقة، نفوسهم طيبة، خلّصها الله تعالى من شح نفوسها فأفلحت. ..، فئةٌ رغبت فيما عند الله فأرخصت ما بذلت وأنفقت. ..، فئةٌ قدمت مراد ربها على ما تهواه نفوسها،  فئةٌ علمت أن الله استخلفها على أمانته فعرفت كيف تحفظ هذه الأمانة .. فإن كنت منهم ـ أيها المسلم ـ فاحمد الله على توفيقه لك، وفضله عليك, وإن لم تكن منهم فالحق بركبهم، عساك أن تفوز بما فازوا به من الكرامات، إنهم: المزكون أموالهَم، الباذلون لها بطيب نفس وشكر على واهب ذلك المال.


إنهم باذلوا الزكاة،  أولئك الذين حرصوا على هذه الشعيرة، واعتنوا بها، وعرفوا منزلتها من دينهم، كيف لا ؟! وهي ثالث أركان الإسلام ومبانيه العظام.


إنهم باذلوا الزكاة الذين قرأوا القرآن فوجدوا أن من أبرز صفات المؤمنين، وأخصِّ أخلاقهم التي وعدوا عليها أسمى الغايات، وأرفع الدرجات: الإنفاقُ ابتغاء وجه الله. 


إنهم باذلوا الزكاة الذين ينتظرون موعود الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم .. أما موعودُ ربِهم، فقوله عز وجل: "وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً "، وقولُه عز وجل: "وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ "، وأما موعود رسولِه صلى الله عليه وسلم فهو قوله ـ فيما رواه مسلم ـ "ما نقصت صدقة من مال".


إنهم باذلوا الزكاة الذين سمعوا وعيد الله ووعيد رسوله صلى الله عليه وسلم لمانعي الزكاة .. سمعوا قول ربهم : " وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ".. نعم لقد قرأوها وارتعدت فرائصهم منها، وهزّت قلوبَهم!


إنهم باذلوا الزكاة الذين سمعوا وعيد رسوله صلى الله عليه وسلم القائل ـ فيما رواه البخاري ـ : "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مُثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ ثم يقول : "أنا مالك، أنا كنـزك، ثم تلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية : "وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ".


إنهم باذلوا الزكاة والصدقة الذين شرح الله صدورهم للإحسان إلى إخوانهم المسلمين، ومواساة المحتاج منهم، بلا منة ولا أذية، بل بنفس رضية، تعلم أن هذا المال هبة ربانية، ومنحة إلهية، وأن توفيقَ الله لهم لبذلها نعمةٌ تستحق شكرَ ربِّ البرية.


إنهم المزكون والمتصدقون الذين استشعروا عبودية الله تعالى بهذا المال، فلم يمنعوه حقه، ولم يجحدوا فضل واهبِه، وكأني بهؤلاء المتصدقين الباذلين ـ يقولون:


يا ربنا أعطيتنا الكثير ولم تفرض علينا إلا القليل فلك الحمد، المالُ مالك، والخير خيرك، وإخراجنا لزكاة أموالنا هو من عظيم جودك علينا وفضلِك.


فهنيئا لكم أيها الباذلون المنفقون! هنيئا لكم تغلبكم على شح أنفسكم، ووسوسة عدوكم الذي يعدكم بالفقر والفحشاء، ومعرفةِ حقيقة ما استخلفتم عليه، وأدائكم جزءا من شكر هذه النعمة.


وهنيئا لكم ـ أيها الباذلون ـ رضا ربكم عنكم، ومضاعفته لثوابكم .


يكفيكم شرفا  ـ معشر الباذلين ـ دعوةُ الملائكة لكم : اللهم أعط منفقا خلفا، وليس هذا فحسب بل انتظروا ما أعد الله لكم من الثواب الجزيل، والأجر الكبير، ألم تعلموا أن


للمتصدقين بابا خاصاً يدعون منه يوم القيامة ؟( ) ألم يبلغكم أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال : "كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين العباد"( ) ؟!

أيها المنفقون الباذلون: ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا، وترجعون أنتم بالبركة في الأموال، وطيب النفس، وأنواع البركات، ودخول الجنات؟! ألا ما أعظم منّة الله على عبده حينما يلحقه بركب المنفقين والمتصدقين! وما أعظم فضل الله على المسلم حينما يكرمه بتفقد الفقراء والمعسرين، فيكفكفَ دمعة، أو يسدَّ جوعة، أو يرويَ ظمأة !

ما أروع عمل المتصدقين والمزكين حينما يكسوه الفقه في الدين، فيتعرف المزكي على أهل الزكاة الذين حددهم الله في كتابه بقوله : "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ".


يا أصحاب النفوس الزكية: 


ثمة فئة من المجتمع،  ابتليت بغياب عائلها عنها، كونه خلف قضبان الحديد، لسبب أو لآخر، فحرمت منه أسرته، وربما ترتب على غياب هذا العائل حاجة وفاقة، فبقيت أعداد من أسر السجناء تعيش أنواع من العذاب النفسي: فالعائل غائب، والحاجة شديدة، والأطفال يبكون من لوعة الفراق، ومؤجر البيت يطلب حقه، ولوازم التغذية لها ضرورتها، وفرحة العيد عند بعضهم أصبحت هاجساً بل كالحلم!


فمن لهؤلاء الذين لا ذنب لهم؟!


إننا في شهر الرحمة، فما أجمل الرحمة في كل وقت وفي هذا الوقت خصوصاً،  لعل لفتةً من محسن وكريم على أسرة سجين لا ذنب لها، تكون سبباً في رحمة الله له، وسعادته في الدنيا والآخرة.


اللهم قنا شح أنفسنا، وأعذنا من نزغات الشيطان، وحقق لنا ما وعدتنا بقولك ـ وقولك الحق ـ : " وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ".


د. عمر المقبل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق