الصفحات

الأربعاء، أغسطس 3

صــرخــات جــائعــة

صــرخــات جــائعــة


بداية أتعهد لك يا قارئ كلماتي أن أتماسك وأنا أخط بقلمي عبرات مأساة إخوتنا الجياع في الصومال، أتعهد لك ألا أنتفض حزناً وأبكي لمشهد ذلك الصغير الذي تمدد على الأرض جسداً خاوياً بلا حراك ، يرمي بصره إلى الأفق البعيد وقد تشقق حلقه عطشاً على أمل أن يسبق أحد المحسنين خطى الموت، لن أنتفض حزنا ولن أبكي وأنا أرى والدته بجواره والموت يحول بينهما ، لم تقتلها طلقات الحرب الأهلية هذه المرة وإنما حصدها الجوع بطلقاته.

سأبتسم رغم حزني الشديد وأعصر قلبي وأرغم عقلي أن يعتبر المشهد المنشور على اليوتيوب مجرد لقطة ساخرة من مسلسل كوميدي يذاع بعد الإفطار، ولماذا أبكي وجميع من حولي يأكلون ويشربون ويلعبون، ولماذا أبكي ونحن نشتري من ألوان الطعام ما نتأكد أننا سوف نرميه، ونرمي منه ما نتأكد أننا لن نستطيع أن نأكله، أطنان من الطعام يكفي نصفها لإطعام مليون نفس تشهد الشهادتين وتستقبل قبلتنا، مليون نفس تتوسل بالله ثم بالدين والدم وتذوب جوعاً في الصومال، لن أبكي وإن شعرت أيها القارئ الحزن بين أسطري أرجوك لا تكمل مقالتي.

دعنا نتعامل مع المأساة مثل الجراحين أو حتى – تجاوزاً- مثل المنصّرين الذين ذهبت كنائسهم إلى هناك حرصا على حصد إيمان إخواننا قبل أن يحصدهم الموت، الصورة كما شاهدتها وأظهرتها نشرات الأخبار غائرة في الألم، ثلث إخوانكم في الصومال الآن صائمين إجبارياً من قبل أن يهل عليهم هلال رمضان، شاهدت تلك الجدة الثمانينية وهي تربط حبلاً على بطنها وقالت أن ذلك يسكت عض الجوع في بطنها، ثم أعقبت بمرارة وحسرة حتى تستطيع أن تتخلى عن بعض حصتها من الماء والطحين لحفيديها الصغيرين..!

 إن عدد الجائعين والجائعات أمثال هذه المرأة العجوز ارتفع من 850 ألف نسمة إلى ثلاثة ملايين ، أما عن الأطفال الذين يحتضر أغلبهم يكفي أن ترى تلك السيدة الإنجليزية من لجان الإغاثة وقد انخرطت في بكاء مرير ، في حين لا يربطها مع هؤلاء الأطفال المنهكين جوعاً عرق ولا دين.

 أغيثوا الأطفال اليتامى في الصومال ألا تسمعوا صرخاتهم ، أغيثوا الثكالى اللاتي أنهكهن الجوع قبل المرض حتى دموعهن قد جفت، أغيثوا الشيوخ والعجزة الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، ولا يغرنكم أننا نتقلب في نعم الله وكثير من أموالنا إما ضائعة في الكماليات ، وقد جاء في الحديث القدسي عن أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلا : يَا ابْنَ آدَمَ , اسْتَطْعَمْتُكَ ، فَلَمْ تُطْعِمْنِي " ، قَالَ : " فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، وَكَيْفَ اسْتَطْعَمْتَنِي وَلَمْ أُطْعِمْكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا اسْتَطْعَمَكَ فَلَمْ تُطْعِمْهُ , أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ , لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ يَا ابْنَ آدَمَ , اسْتَسْقَيْتُكَ , فَلَمْ تَسْقِنِي ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، وَكَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَقَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِيَ فُلانًا اسْتَسْقَاكَ , فَلَمْ تَسْقِهِ , أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِيَ فُلانًا لَوْ سَقَيْتَهُ , لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ يَا ابْنَ آدَمَ , مَرِضْتُ ، فَلَمْ تَعُدْنِي ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، وَكَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَقَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِيَ فُلانًا مَرِضَ , فَلَوْ كُنْتَ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ " .

إخوانكم دخل عليهم شهر الصيام وهم صائمون في مجاعة منذ عدة أشهر، خيام منتشرة تتكوم فيها أجساد نخرها الجوع وكل خمس دقائق تسمع نحيبا على فراق زوج أو زوجة أو أما أو طفل قتلهم الجوع، هل تذكرتم وأنتم في انتظار آذان المغرب مشهد ذلك الرجل محمد دوبو سامان وهو يهدئ من روع ابنته التي تصرخ من الجوع خارج خيمتهم، هل أبصرتم تلك المرارة وهو يعاتبكم بقوله "بسبب المجاعة أمضينا أياما بدون أي طعام بأي شكل"، وهل رأيتم إصراره وحرصه على فريضة الصيام وهو يقول "كان ذلك صياما بدون أجر..على الأقل هذا الصيام فريضة من الله"، ثم هل سمعتم أن نجوم هوليود بصدد عمل جولات لصالح الكنائس في الصومال..؟!

 إننا نحتاج إلى حملات يشارك فيها المحسنون وتنظمها جهات حكومية وتدعمها جميع الدول  الإسلامية لمساعدة إخواننا في الصومال, وأملنا في الله ثم ولاة أمر هذه البلاد كبير أن تنطلق حملات التبرعات في كافة أنحاء المملكة سريعا ويعلن عنها ، فنحن أولى بإخواننا من اليهود والنصارى الذين ذهبوا يساعدوهم من خلال اليد التي سرقت خيرات أرضهم وتركتهم للجوع والفقر وقتال بعضهم بعضاً، ثم رجعت تمد لهم الطعام والدواء وهدفها التنصير ولا غير ! .



أبو لـُجين إبراهيم
الأربعاء ـ 3ـ رمضان ـ 1432



--
إن عظيم الهمة لا يقنع بملء وقته بالطاعات
إنما يفكر أن لا تموت حسناته بموته


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق