الأربعاء، أغسطس 23

معالم في شخصية الشيخ عبد الكريم الـلاحم – رحمه الله – (2-2)


 معالم في شخصية الشيخ عبد الكريم الـلاحم رحمه الله
(2-2)

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد كنت وعدت في الجزء الأول من المقال بالحديث حول طريقة الشيخ رحمه الله في التدريس والتأليف، وذكر شيء من أجوبته واختياراته. فأقول وبالله تعالى التوفيق:

 لقد سلك شيخنا رحمه الله ورفع درجته في المهديين في التدريس، مسلكا فريداً غير معهود عند كثير من علمائنا ومشايخنا في هذا العصر ومن تقدمهم في طريقة تدريس الفقه أو غيره من العلوم الشرعية أو العربية، إلا ما كان من الشيخ العلامة محمد ابن عثيمين رحمه الله وليس ذلك أيضاً بمطرد بل هو في بعض المسائل؛ لحاجة الطالب إليها.
وهذا المسلك الفريد يقوم على سبر المسائل وتقسيمها، دون التعرض للخلاف أو الدليل أو التعليل، والقصد منه هو تصوير المسألة، وبيان منطوقها ومفهومها، وما يلحق ذلك من بيان قيد أو محترز. ويرى الشيخ رحمه الله أن هذا المسلك أنفع للطالب في تصور المسائل وفهمها، وغالباً ما يكون تقسيمه للمسألة حاصراً، فلا تُستدرك عليه صورة تحتملها القسمة لم يأت بها.
ومن أمثلة ذلك:
أولاً: كلامه على قول صاحب الزاد: (ولا يرفع حدث رجل: طهور يسير خلت به امرأة لطهارة كاملة عن حدث).
قال رحمه الله: وهذه المسألة فيها تسعة قيود:
1.              حدث     2. رجل     3. يسير     4. خلت به     5. امرأة      6. مكلفة     7. لطهارة     8. كاملة     9. عن حدث
ثم يشرع يتكلم عما احترز به المؤلف بهذه القيود. فيقول: قوله: عن حدث يُخرج ما إذا كان استعمالها للماء لغير حدث. وهكذا يأتي على مفاهيم هذه القيود قيداً قيداً، حتى ينهيها فيبيّن ما تحت كل قيدٍ من الصور. فقيد الحدث مثلاً تحته صورتان:
الصورة الأولى: الحدث الأصغر.                      الصورة الثانية: الحدث الأكبر.
 وهذا النوع من التعليم يتوقف على صفاء ذهن وقوة إدراك، وشيخنا رحمه الله في الرتبة العليا من ذلك كله.
ثانياً: قوله على عبارة صاحب الزاد: (من رأى عليه نجاسة بعد صلاته وجهل كونها فيها لم يعد، وإن علم أنها كانت فيها لكن نسيها أو جهلها أعاد).
يقول رحمه الله: النجاسة إما أن يعلم بها المصلي قبل الصلاة، ولكن نسي إزالتها أو لم يعلم بها إلا في الصلاة، أو لم يعلم بها إلا بعد الصلاة، فهذه ثلاث صور. ثم يشرع يتكلم على إزالتها أثناء الصلاة، فيقول: إما تُمكن إزالتها في زمن يسير أو لا، ثم يأتي على صور ما يمكن إزالته في الزمن اليسير بضرب الأمثلة: كأن تكون النجاسة في الحذاء، أو تكون في الغترة. ثم يتكلم عن صورة ما إذا كانت النجاسة لا تُزال من الثوب أو البدن أو البقعة إلا في زمن طويل.
ثم يذكر أمثلة ذلك: كأن تكون النجاسة في الفنيلة وفوقها ثوب وفوق الثوب صدرية وكلها مزرورة بأزرة يصعب فكها في زمن يسير، وهكذا يمشي في تصوير المسائل. وهدفه من ذلك كله تفهيم الطالب عبارة صاحب المتن وبيان قيودها ومحترزاتها وما تحتمله المسألة من صور، هذا أنموذج من طريقته في التدريس.

أجوبته على بعض المسائل:
1.    سألته رحمه الله عن حكم توسعة المسعى فأجابني بالجواز، وقال: ليس هناك دليل يدل على المنع. وقد حرر رأيه في ذلك في ورقات يسيرة. ولما انتشرت فتوى العلامة ابن عثيمين رحمه الله في جواز ذلك، وقرأتها عليه حَمِد الله على أن اتفق رأيه ورأي الشيخ ابن عثيمين على ذلك.
2.    وسألته عن التورق الذي تعمل عليه البنوك، وخاصة (بيع الحديد) ونحوه فقال: هذه معاملات لا حقيقة لها وإنما هو بيع نقد بنقد تحت هذا المسمى. فلم يرى جوازه رحمه الله.
3.    وسألته هل يحصل قبض السيارة بمجرد البطاقة الجمركية؟ فأجاب: لا، بل لابد من أن يقبض السيارة وتكون في حوزته؛ وذلك بإخراجها من ملك البائع بالقبض أو التخلية. 

اختياراته الفقهية وترجيحاته:
1.    اختار عدم كراهة الماء المتغير بغير ممازج كالمتغير بالدهنيات على اختلاف أنواعها، والمذهب الكراهة.
2.    اختار عدم كراهة الماء المسخّن بالأشياء النجسة إذا تيقن عدم وصول النجاسة إلى الماء، والمذهب الكراهة، أما إذا غلب على الظن وصول النجاسة إلى الماء كما لو كان الإناء مكشوفاً ويصل إليه دخان النجاسة وما يتطاير من شررها فإن حكمه عنده حكم الماء الملاقي للنجاسة فلا يستعمل، وأما المشكوك في وصول النجاسة إليه فاختار عدم كراهة استعماله؛ لأن الأصل طهارته ولا يزال عنها إلا بيقين، أو غلبة ظن.
3.    اختار طهورية الماء القليل (وهو في عرف الفقهاء ما دون القلتين) إذا استعمل في رفع حدث، والمذهب عدم طهوريته، والمراد بالمستعمل في اصطلاح الفقهاء: هو المنفصل من أعضاء الوضوء أو الغسل، لا المغترف منه.
4.    اختار حرمة اتخاذ آنية الذهب والفضة ولو لم تستعمل في أكل أو شرب أو وضوء أو غسل. كاتخاذهما على هيئة أقلام، أو كبكات (أزارير)، أو محابر، أو ساعات، أو ملاعق، أو صحون، أو خلاطات ماء (حنفيات)، فالكل عنده حرام. وهو المذهب عندنا وعند الشافعية والمالكية؛ لأن الأصل أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه كآلات الملاهي. وهذا التحريم عام للرجال والنساء إلا ما كان حلية للنساء فيجوز.
5.    اختار جواز استعمال آنية أهل الكتاب التي جُهل حالها ولو لم تغسل. واستظهر ذلك بأن أدلته أظهر وأسلم من المناقشة.
6.    اختار عدم وجوب غسل آنية المشركين وهم الكفار من غير أهل الكتاب. ورأى أن الغسل أحوط.
7.    اختار نجاسة ثياب الكفار التي تلي عوراتهم؛ لكونهم لا يتنزهون عن النجاسات من بول أو غائط، فهذا هو الظن الغالب وهو مقدم على الأصل.
8.    اختار طهارة جميع الجلود بالدباغ سواء كانت من الحيوانات الطاهرة في الحياة مأكولة اللحم أو غير مأكولة أو النجسة كالكلب والخنزير وغيرهما من سائر السباع والحيوانات، وأجاز استعمالها في المائعات واليابسات، والمذهب خلافه وعلى هذا الاختيار تتخرج طهارة جميع الشنط والحقائب والأحذية والحزم المصنوعة من جلود السباع والميتات.
9.    اختار حرمة وصل شعر المرأة بأي شيء كان من الشعر أو غيره، وعلل بأن ذلك أحوط وسداً للذريعة.
10. اختار عدم كفر تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً مع الإقرار بوجوبها، وأجاب عن أدلة القائلين بكفره. وهو اختيار الموفق وجماعة، والمذهب كُفره وعليه الفتوى.
11. اختار رحمه الله عدم إلزام المرتد قضاء ما تركه من العبادات من صلاة أو صيام زمن ردته. وعلل بأن عفو الله عن المرتد إذا تاب وعاد إلى الإسلام إسقاطٌ للقضاء وإبراء للذمة. كما اختار عدم وجوب القضاء على من زال عقله بإغماء أو سكر في تعليقه على الروض في الدرس، واستظهر في كتابه المطلع التفريق في حق المغمى عليه فلا قضاء عليه إذا طالت مدة الإغماء، ويلزمه القضاء إذا كانت مدته ثلاثة أيام فأقل؛ لفعل عمار رضي الله عنه، وهو المذهب. كما اختار في المطلع لزوم القضاء في حق من زال عقله بالسكر، وهو المذهب. والله أعلم.
12. اختار شرطية تعيين الصلاة المؤداة ورد قول من يقول: بأن الصلاة تتعين بتعيّن الوقت وهو اختيار الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله، وقد أجاب الشيخ رحمه الله عن أدلة القائلين بعدم الشرطية واستظهر شرطية التعيين.
13. اختار صحة اختلاف نية المأموم عن نية الإمام. كمن يصلي الظهر مقضية خلف من يصلي العصر مؤداة، والمذهب عدم الصحة.
14. اختار عدم وجوب الزكاة في العسل، والمذهب الوجوب. وأجاب عن أدلة المذهب من جهة الآثار الواردة ومن جهة القياس.
15. اختار وجوب الزكاة في حلي النساء المعد للاستعمال، والمذهب عدم الوجوب.
16. اختار جواز دفع الزوجة زكاتها إلى زوجها، والمذهب عدم الجواز.
17. اختار جواز دفع زكاة الفطر إلى الجمعيات الخيرية. وفرّق رحمه الله بين الجمعيات المرخص لها من قبل الدولة وغير المرخص لها من جهة الأثر المترتب على استلام الزكاة وتسليمها إلى مستحقيها، فرأى أن الجمعيات المرخص لها من قبل الدولة لا حرج عليها لو تأخرت في تسليم الزكاة إلى مستحقها عن وقتها، بخلاف الجمعيات الغير مرخص لها. فإنه لا يجوز لها تأخير تسليم الزكاة لمستحقيها في وقتها. ورأى أن الجمعيات المرخص لها قائمة مقام الدولة باعتبار ما اكتسبته من الإذن والتصريح. والدولة تنوب عن المواطنين فيما لهم وعليهم، ومن ذلك جباية الزكوات، ومنها زكاة الفطر. والله أعلم.
فهذه جملة يسيرة من اختياراته وترجيحاته التي نص عليها شيخنا رحمه الله في كتابه المطلع على دقائق زاد المستنقع، والذي بلغ المطبوع منه خمسة وعشرين مجلداً ولم يكمل بعد، والذي حفل بدقائق هذا الكتاب المختصر (زاد المستنقع)، وإبراز مسائله على طريقة سبر المسائل وتقسيمها مع إيراد الخلاف ومناقشة الأقوال والترجيح، وقل أن نجد مسألة من المسائل الخلافية خلت عن مناقشة وترجيح، وقد التزم رحمه الله ذلك المنهج وسار عليه في جميع مباحث الكتاب، وهذا هو الذي جعل الكتاب يبلغ هذا الحجم. والعجيب أن هذا الكتاب ألفه وهو رحمه الله قد جاوز السبعين من العمر وشارف على الثمانين مع ما يزاحمه من المؤلفات الأخرى والدروس اليومية وغير ذلك من الالتزامات.

طريقته في التأليف:
 أما طريقته في التأليف فهي لا تختلف عن طريقته في التدريس، إلا أنها تزيد عليها في ذكر الدليل والتعليل وذكر الخلاف ومناقشته مع بيان القول الراجح و (كتابة المطلع) حافل بذلك ومن أمثلة ذلك كلامه على قول صاحب الزاد:
   (أن يكون - أي المبيع - معلوماً برؤية أو صفة..) يقول رحمه الله: الكلام في هذا المطلب في ست مسائل وهي:
1.              دليل هذا الشرط.         2. توجيه هذا الشرط.        3. ما يحصل به العلم.       4. ما يخرج بهذا الشرط.   
5. إلحاق الاستثناء بالبيع في اشتراط العلم بالمستثنى.          6. ما يستثنى من هذا الشرط.
المسألة الأولى: دليل اشتراط العلم بالمبيع، ومن أدلة اشتراط العلم بالمبيع ما يأتي:
1ـ ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر.
   ووجه الاستدلال به: أن عدم العلم بالمبيع غرر، سواء كان الجهل من جهة البائع أو من جهة المشتري. لأن البائع قد يعطي أقل مما يظن المشتري، وقد يأخذ المشتري أفضل مما يظن البائع، فيقع النزاع والخصومة.
2ـ ما ورد من النهي عن بيع الملامسة والمنابذة:
 وذلك أن العلة في النهي عن هذه البيوع الجهالة في المبيع.
المسألة الثانية: توجيه هذا الشرط أن جهالة المبيع قد تؤدي إلى النزاع والخصومة، وتورث التقاطع بين الناس، وحيث أن الشارع الحكيم حرص على الترابط بين الناس وقطع أسباب التفرق والخلاف، أوجب الوضوح في التعامل فيما بينهم، وحرم عليهم الغش والكذب والتدليس. وبما أن جهالة محل العقد من أسباب حدوث الخلاف نهى الشارع عنه وأمر بتحديده بما يميز المبيع وينفي الجهالة عنه.
المسألة الثالثة: ما يحصل به العلم بالمبيع، وفيها خمسة فروع هي:
1.   الرؤية.          2. الشم.            3. التذوق.            4. اللمس.             5.الصفة.
الفرع الأول: معرفة المبيع بالرؤية، وفيه أمران هما:
1.     الرؤية المقارنة للعقد.                        2.  الرؤية المتقدمة على العقد.
الأمر الأول: الرؤية المقارنة للعقد وفيه جانبان هما:
1.   ما يشترط فيه رؤية الكل.               2.   ما يكتفى فيه برؤية البعض.
الجانب الأول: العلم بالمبيع برؤيته كله، وفيه ثلاثة أجزاء هي:
1.     ضابط ما يشترط فيه رؤية جميعه.           2. وجه اشتراط رؤية الكل.       3. ما يستثنى مما يشترط فيه رؤية جميعه.
الجزء الأول: ضابط ما يشترط فيه رؤية جميعه:
   الذي يشترط فيه رؤية جميعه: هو ما لا يدل بعضه على باقيه.
الجزء الثاني: أمثلة ما يشترط فيه رؤية جميعه:
من أمثلة ذلك ما يأتي:
1.     المساكن المختلفة.           2. الحيوانات المختلفة.          3. النباتات المختلفة.         4. السيارات المختلفة.
الجزء الثالث: وجه اشتراط رؤية الجميع:
  وجه اشتراط رؤية الجميع فيما لا تدل رؤية بعضه على جميعه: أن الرؤية المعتبرة هي ما تنتفي بها الجهالة والغرر، ورؤية بعضه لا تنفي الجهالة والغرر فيما لا تدل رؤية بعضه على باقيه.
الجزء الرابع: ما يستثنى مما يشترط فيه رؤية جميعه:
وفيه جزئيتان هما:
1.   ما يدخل تبعاً.                    2.  ما يتسامح فيه.
الجزئية الأولى: ما يدخل تبعاً:
وفيه فقرتان هما:
1.   أمثلة ما يدخل تبعاً.              2.  وجه استثنائه.
الفقرة الأولى: أمثلة ما يدخل تبعاً:
من أمثلة ما يدخل تبعاً ما يأتي:
1.   أساسات المباني.                   2. الحديد داخل الميدات والأعمدة والجسور والسقوف.
  وجه استثناء ما يدخل تبعاً:
 وجه ذلك: أن ما يدخل تبعاً ليس مقصوداً لذاته، فلا يشترط إفراده بالعلم؛ لأن التابع في حكم المتبوع.
الجزئية الثانية: ما يتسامح فيه:
وفيه فقرتان هما:
1.     أمثلة ما يتسامح فيه.             2. وجه استثنائه.
الفقرة الأولى: أمثلة ما يتسامح فيه:
1. النخلة والنخلتان ضمن مزرعة كبيرة.        2. النعجة والنعجتان من قطيع من الغنم.
 3. الثوب أو الثوبان من صناديق الثياب.        4. الحبات اليسيرة من أكوام البطيخ.
الفقرة الثانية: وجه استثناء الشيء اليسير:
وجه ذلك: أنه لا أثر له على مجموع الصفقة، فلا يؤثر الجهل به على العلم بها.
وكل هذه التقسيمات وتحليلها إلى جزئيات في الجانب الأول المتعلق باشتراط رؤية جميع المبيع. أما الجانب الثاني: وهو الاكتفاء برؤية بعض المبيع، فهو على هذا النحو من التقسيم والتحليل والتوجيه فهذا مثال لطريقته في التأليف من تقسيم المسائل وتحليلها إلى جزئيات.

طريقته في عرض المسائل الخلافية:
   أما طريقته في عرض الخلاف فهو يعرض الأقوال غير معزوة إلى قائليها ومناقشتها ثم ترجيح القول الذي يرجحه الدليل، وقد راجعته أكثر من مرة حول ضرورة عزو الأقوال إلى قائليها. فأجابني رحمه الله بأنه يعتبر الأقوال بالدليل لا باعتبار قائليها. وقال: الذي يهمني هو حصر الأقوال لكي يعرف القارئ أن هذه المسألة من مسائل الخلاف، ويعرف ما تشعبت إليه من الأقوال والعبرة في مسائل الخلاف بالدليل. وإذا عريت المسائل من الدليل فإنها تبقى أقوال رجال.
 ومن أمثلة عرضه للخلاف ما جاء في مسألة (بيع الأنموذج): قال رحمه الله:
   بيع الأنموذج: وفيه أربع فقرات:
1.   الأقوال.        2. توجيه الأقوال.       3. الترجيح.         4. خيار المشتري عند المجوزين.
الفقرة الأولى: الأقوال:
اختلف في بيع الأنموذج على قولين:
القول الأول: أنه لا يصح.  القول الثاني: أنه يصح.
الفقرة الثانية: التوجيه: وفيها شيئان:
1.   توجيه القول الأول.          2. توجيه القول الثاني.
الشيء الأول: توجيه القول الأول:
وجه هذا القول: بأن الأنموذج لا يعطي العلم بالمبيع، وهو شرط لصحة العقد.
الشيء الثاني: توجيه القول الثاني:
وجه هذا القول: بأن الأنموذج مثل الوصف، فإذا كان بيع الموصوف صحيحاً فبيع الأنموذج كذلك.
الفقرة الثالثة: الترجيح: وفيها ثلاثة أشياء هي:
1.   بيان الراجح.       2. توجيه الترجيح.                3. الجواب عن وجهة القول المرجوح.
الشيء الأول: بيان الراجح:
 الراجح والله اعلم هو القول الثاني وهو جواز وصحة بيع الأنموذج.
الشيء الثاني: وجه ترجيح القول بجواز بيع الأنموذج: أن الأصل في العقود الجواز، ولا دليل على المنع.
الشيء الثالث: الجواب عن وجهة نظر المانعين:
   يجاب عن وجهة هذا القول: بأن دعوى عدم دلالة الأنموذج على المبيع غير صحيح، وذلك أنه إذا اتحد تصميم المباني لم يتخلف بعضها عن بعض وكذلك باقي المبيعات المتحدة في الأوصاف، وهي التي يصح فيها بيع الأنموذج، أما ما لا تتفق فيها الأوصاف فليست محلاً للبحث، لعدم دلالة بعضها على بعض، والله أعلم.
الفقرة الرابعة: خيار المشتري عند المجوزين: وفيها شيئان:
1.   حكم الخيار.     2.      توجيهه.
الشيء الأول: حكم الخيار: إذا تبين للمشتري أن ما لم يره مخالف للأنموذج كان له الخيار.
الشيء الثاني: التوجيه: وجه ثبوت الخيار في بيع الأنموذج إذا تبين أن المبيع مخالف للأنموذج: أن المبيع مخالف لما رضي به المشتري وتم الاتفاق عليه، وبذلك يفقد العقد شرطه، وهو الرضا بالمعقود عليه فلا يصح.
فهذا مثال لطريقة عرضه للخلاف وترجيحه بين الأقوال ولا شك أن هذا الطريقة أصبحت مستعملة في الدراسات الأكاديمية اليوم في مرحلة الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه، والشيخ رحمه الله من المؤسسين لمناهج الدراسات العليا إبان عمله عميداً لكلية الشريعة في القصيم، وكذلك أثناء عمله مديراً للمعهد العالي للقضاء، كما أنه أمضى شطراً كبيراً من حياته الوظيفية في الجوانب الأكاديمية والإشراف على الرسائل الجامعية وإعداد المناهج العلمية للكليات الشرعية.
فهو رحمه الله رائد هذا النوع من التأليف الذي لم يعرف استعماله في شرح المتون العلمية كمثل كتاب زاد المستنقع ومختصر قواعد ابن رجب وغيرهما من كتب الفقه وقواعده.
وأما إسهاماته العلمية في علم الفرائض والمواريث تأصيلاً وتدريساً وتأليفاً، فأشهر من أن تُذكر، وأوسع من أن تُحصر، وقد اعتمدت عدد من الجامعات في داخل المملكة وخارجها كتبه المصنفة في هذا الباب مقررات لطلاب الكليات الشرعية والمعاهد العلمية.
فرحمه الله من عالم مقدّم وفقيه معظّم، من جمع الله له الفقه بين يديه، وانقادت مسائله إليه، يأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. هذا ما أردت إيراده وقد تم الفراغ منه في الثامن عشر من ذي القعدة من هذا العام 1438 هـ وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتبه/
إبراهيم بن سليمان التركي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق