الجمعة، سبتمبر 2

رمضان وتَشْغِيْبُ الفلكيين ، للشيخ د. عبدالكريم بن حمود التويجري

رمضان وتَشْغِيْبُ الفلكيين


الحمد لله وحده ؛ والصلاة والسلام على من لا نبي بعده       وبعد :
فما يمر عام على الأمة إلا وتبتلى بمن يعكر عليها صفو عبادة الصيام بالتشكيك في دخول الشهر وخروجه بحجة مخالفة الرؤية للحساب ؛ ويصل الأمر إلى اتهام الشهود بالكذب ؛ والتخليط ؛ ولا شك أن هذه التهمة تنجر لمن أخذ بشهادتهم بطريق الأولى .
ومما يتفق عليه العقلاء عند الاختلاف أن يكون الرد لما يؤمن به الطرفان من منقول أو معقول .
وسأقف مع مشغِّبة الفلكيين حول تشكيكهم في صيامنا وفطرنا من خلال ذينك الطرفين :
فمن جهة المنقول أقول : إن الله سبحانه وتعالى هو من شرع فريضة الصيام ؛ وجعل الأهلة مواقيت للعبادة ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) [ البقرة : ١٨٩ ] ، وبيَّن على لسان نبيه e وسيلة معرفة دخول الشهر وخروجه فيما صح من قوله : (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )) [ الحديث .. متفق عليه ] ، وقوله : (( فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا )) [ رواه الإمام أحمد والنسائي واللفظ للنسائي ] . فوجه الخطاب للأمة عامة باعتماد الرؤية ولم يكلفهم بحساب ولا دراسة فلك ؛ بل جعل الأمر منوطاً بأمر محسوس يدركه الصغير والكبير ؛ والعالم والعامي على حدٍ سواء . وقد شهد أعرابي - لا علم له بحساب ولا فلك -  عند النبي e برؤيته هلال رمضان فقبل النبي e شهادته وأمر الناس بالصيام اعتماداً على رؤيته . وقد جاء  عن أمير مكة الحارث بن حاطب t قال : (( عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما )) [ رواه أبو داود والدارقطني ] .
فمن اعتمد الرؤية فقد اهتدى بهدي ربه فلن يضل بحمد الله ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : ( فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) [ طه : ١٢٣ ] ، وأمْرُ الله إذا قضي لا يجوز رده وقد قال الله : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) [ الأحزاب : ٣٦ ] .
أما المعقول فمن أوجه :
الأول : أن علم الفلك والحساب منه ما هو متفق عليه لا مرية فيه كمعرفة الأجرام والكواكب ومسمياتها ونحو ذلك . ومنه ما هو علم تجريبي يقوم على مقدمات ونتائج ؛ وهو محل خلاف بين أهل الفن ؛ كمسألة الحساب وولادة الأهلة . فهم مختلفون فيها ولكل طائفة منهم حسابها وتقديرها لما يتبع ذلك . فإذا كان أهل الحساب مختلفين فقول أي الفريقين يقدم ؟ .
الثاني : وهو فرع عن الأول أن اعتماد كثير من الفلكيين في الحساب - في عصرنا الحاضر - على أجهزة وبرامج وجهات معينة ؛ ولكل جهة برامجها الخاصة وربما وقع الاختلاف من هذا الباب . فإذا حصل الاختلاف فمن المقدم ؟
الثالث : وهو فرع عما سبقه : أننا رأينا في عامنا هذا اختلافاً بين الفلكيين أنفسهم في إمكان الرؤية وولادة هلال شوال اختلافاً ظاهراً فبينما نفت طائفة منهم إمكان الرؤية أثبتته أخرى . وممن قال بإمكان رؤيته ليلة الثلاثاء :
1- الفلكي أحمد محسن الجوبي اليمني . فقد قال في تصريح نقله راديو الجمهورية اليمنية : " إن أول أيام عيد الفطر المبارك 1432هجرية سيصادف يوم الثلاثاء الموافق 30 أغسطس 2011". وأوضح أن هلال شوال سيغرب بعد غروب شمس يوم الاثنين 29 أغسطس بـ 6 دقائق و55 ثانية و417 جزءاً من الثانية.
2- الباحث الفلكي محمد الروضان الشايعي . فقد جاء في حديث له في صحيفة (الجزيرة) أن يوم الثلاثاء القادم بمشيئة الله هو يوم العيد، مبيناً أنه بمشيئة الله تعالى وفي تمام الساعة التاسعة وخمس وعشرين دقيقة من صباح يوم الاثنين 29 رمضان 1432هـ يتحاذى القمر مع الشمس على خط طول 84.03 درجة شرقاً وبالتحديد فوق مياه المحيط الهندي قبالة السواحل الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة الهندية، وعند غروب الشمس عن منطقة الرياض يتأخر القمر عنها بمقدار أربع درجات ونصف الدرجة ويصبح هلالا تمكن رؤيته حيث يمكث حوالي عشر دقائق بعد غروب الشمس، ويقع جنوب مغيب الشمس على بعد سبع درجات عرضية تقريباً، وعمره في تلك اللحظة اثنتا عشرة ساعة .
3- الفلكي صالح العجيري من الكويت فقد ذكر إمكان الرؤية كما نقلته عنه جريدة الوطن الكويتية .
فإذا كان الاختلاف بين الفلكيين موجوداً فإلى أي الطائفتين ننحاز . وليست الكثرة والشهرة والانضمام للجمعيات والإسراف في التصاريح الصحفية والكتابة في المواقع الالكترونية – مع التدبيج بدالات الله أعلم بها – دليلا على صحة المسلك والقول .

الرابع : فجر الفلكيون أضحوكة رؤية كوكب زحل ، ومن المعلوم فرق ما بين الهلال وزحل حجماً ومكاناً كما هو معلوم للعامة بله أهل التخصص فكيف يخفى .
الخامس : مما يتفق عليه العقلاء أن المحسوسات – ومنها ما يدرك بحاسة البصر – مقدم على الظنيات ؛ وقد مر بنا آنفاً أن علم الحساب علم تجريبي ظني يقوم على مقدمات ونتائج قد تصيب وقد تخطئ ولهذا يختلف أهله فيه .
ختاماً فقد أخذنا بما أمرنا به وكلفنا شرعاً وذلك غاية الهدى ، والتشكيك والتشغيب على العامة وعلى الولاة الذين جعلوا للأمر هيئاته المنوط بها تحقيقه شق لعصا الطاعة ، وبلبلة للأذهان ، وتلبيس على العامة لا تحمد عقباه .
والله الهادي إلى سواء السبيل . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

وكتب
د.عبدالكريم بن حمود بن عبدالله التويجري
​الرياض 3/10/1432هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق